أحببتك ولكن…

من بين القصص التي يكون فيها الحب ظالما ومعكرا وليس فيه أي مشاعر من الحب ما سنروي لكم في هده القصة ، تبدأ القصة بشاب تعلق بفتاة ورأى فيها حب حياته وردة قلبه وأحلامه ، ليضرب كل شيء عرض الحائط ، ويقلب قلبه لجهة أخرى وكأن شيئا لم يكن ! هذا ما حدث لسارة وعبد الحكيم وهم بطلا هذه القصة ، فدعونا نتابع مجرياتها و أطوارها .
عندما أنهت سارة امتحانات الجامعة في بدايات شهر يوليوز ، ومع اشتداد الحر قررت عائلتها الذهاب للمصيف ، هذه السنة ذهبوا لشرم الشيخ ، كنوع من التغيير بدل من دهاب الى العين السخنة .
ومن نافذة السيارة أخذت سارة تفكر في عبد الحكيم جارهم الوسيم ، الذي مال قلبه لها ، وأمال قلبها إليه ، ومنذ الصيف الماضي عندما تقابلت معه في بهو العمارة الفخمة التي تقع في المعادي ، كان يميل بعينه كما تميل الورقة تحت تأثير العاصفة ، فابتسم لها فخجلت ثم ذهبت في طريقها .
وتوالت الأيام هكذا بين نظرات منه وخجل منها ، وفي يوم من هذه الأيام اقترب منها هامسا لها : أحبك .. يا مجهولة الاسم ، أخبريني اسمك وداوي قلبي الملهوف للقائك يا حبي .
سارة و بابتسامة منقبضة وحمرة في خدودها من الخجل والدي زين وجهها الرفيع : اسمي سارة .
عبد الحكيم : أما أنا فعبد الحكيم وأنا جاركم يا سارة يا قلبي وحياتي .
عند حلول الليل وإشتاق عبد الحكيم لرؤية محبوبته سارة فأخذه الحنين لطرقات شارعهم ، فنزل لاستنشاق الهواء في ليل رطب ، ومع هبوب رياح خفيفة ، حدّث نفسه : أحبها ولا أراها كثيرا ، يا ترى هل تحبني وتشعر بنبضاتي قلبي التي تحن إليها ؟
مثلت صورتها أمام عينيه وهو يتهادى في طريقه ، سارة ذات الشعر الأسود وخصلات بنية اللون تمتزج معه ، ووجهها الرفيع الأسمر ، كأنها ملكة فرعونية متوجة ، تقبع جالسة على عرش ملكها في أوج سلطانه .
تم هطلت الأمطار الخفيفة عليه وأخذ يجري و يهرول ناحية الرصيف ليحتمي به قائلا : عندما تذكرتك سارة هطلت أمطار قلبي شوقا لك يا محبوبتي .
أخد عبد الحكيم يركض على الرصيف بتمايل يليق بمرونة جسده الرشيق وهو يغني : ومحبوبتي هناك تنافس القمر ، حتى وهي تغطي وجهها بستار ، لا تخجلي محبوبتي يا من تشبهين القمر ، فحبيبك هنا تحت المطر .
ومن الشرفة تطلعت سارة للأمطار ، عندها كانت تكتب خواطرها والتي أنهتها بكلمة : وهل يغادر قلبي هذا الفارس ؟ ليكون لقلب أخرى أسيرا ؟
مرشهر في غرام و هيام وعشق بالأعين والنظرات والهمسات ، من بعيد لبعيد ، حتى ابتعد عنها عبد الحكيم ولم يعد حتى يقول لها : صباحك ورد وعسل محبوبتي .
وفي شرفة منزلها كانت تنتظره بالساعات وفي يدها باقة الياسمين ، تستنشقها وتحن له ، فتأمل أن تراه ويتغزل قلبها في ملامحه ، ولكن الوقت يمر دون توقف وهذا الحبيب لا يظهر إلا من وراء حجاب ، كأنه يتحدى حبها بقول واحد : لن تريني بعد الآن ، فقد حان وقت الوداع !
أرسلت سارة سلامات براحة اليد ودمعاتها على الخدها ، ولما رأته يحكم إغلاق النافذة ، تبعثر قلبها منفطر على شريط الأيام .
تخلص عبد الحكيم من توتره بعد أن أغلق النافذة ، وأظهر نبرة سعادة بسيطة وحدث نفسه : لم يعد لسارة مكان في القلب ، وعليّ أن لا أورطها بالحب أكثر من هذا .
لمح قبلتها له في الهواء فتكدر وجهه نادما على هذا الحب الذي تسرع فيه ووضع يده بالقرب من قلبه : عزيزة هي حبيبتي ، وأنت يا سارة مجرد ذكرى عابرة في دفتر أيامي وحياتي .
حاولت سارة أن تلتقيه في البهو كالعادة لكنه كان يتهرب منها ، ويتجه بوجهه للناحية الأخرى كما لو كان لا يعرفها ، ولم يحبها قلبه في يوم من الأيام وآخر مرة قال لها : سارة .. لم يعد قلبي يحبك صدقيني ، لن أخادعك وأقول أن هواك في قلبي ، بل كنت وما مضى قد مضى .
نهرته سارة : حتى في الحب يا عبد الحكيم ؟!
يقول عبد الحكيم وهو مبتعد : في كل شيء عزيزتي ، فالحياة تمضي والمشاعر تتبدل .
وفي صبيحة يوم العيد رأته يسير خلف عزيزة وهويضحك هاتفا : أحبك عزيزة .. أحبك بحجم بعد الأرض عن السماء .
وهذه الذكريات أضحكتها وأبكتها لدرجة أن دموعها سالت ، وفاضت على حجاب رأسها الذي ارتدته منذ أيام قليلة مضت ، مسحت سارة دموعها بمنديل ورقي معطر ، ثم تنهدت وفي سرها قالت : أواه يا حبيبي يا من فارقني رغم حبي له ، قلبي يحبك ولكن قلبك يحب أخرى ، فكيف أكون لك وأنت لأخرى .
أحببتك ولكن
بصوت شجي غنت : كلمات من قلبها المنفطر الحزين
- أدمع باكية على حب مضى
- قسوة خداع لقلبي الذي اكتوى
- يخادعني وأنا الحبيبة
- ويلاطف غيري و تكون له قريبة
- يا قلب لا تميل لهواه
- ودعه بين جنبات النسيان
- ليكون ذكرى تنسيك الاشتياق
- بعد ما فارقتني بأليم الفراق
في المعادي تعالت ضحكات عبد الحكيم مع زوجته عزيزة ، التي توقفت عن الضحك فجأة ، وسألته : ما أغرب هذا الحب يا زوجي الحبيب ، إنه قربني منك وأنت كنت أبعد الناس عني ، فأصبحت الآن أقربهم لقلبي وروحي .
هنا تأزم قلب عبد الحكيم عندما تذكر حبه لسارة أو الذي كان يعتقده كذلك ، وتنهد بكل قوة : هكذا هي الحياة يا عزيزة ، نرى الحب ونعيشه كل يوم ، وفجأة نكتشف أنه ليس الحب الحقيقي ، بل علينا أن نبحث عن حبنا بعقولنا وقلوبنا حتى نجده أو يجدنا !
رسمت مريم وهي أخت سارة صورة لقلب على رمال الشاطئ بخفة ومهارة ، ثم وضعت حرفها وحرف زوجها في منتصف القلب تماما ، ونظرت لبعيد فوجدت سارة في المنزل بشعرها شاردة وواجمة ، مما أربك مريم التي تمردت على صمتها قائلة : مسكينة ياسارة أنت وقلبك الذي تحطم بسبب مختل يدعى الحب و العشق .
ارتدت سارة الحجاب وركضت نحو البحر متخطية مريم وغير عابئة بها ، وكل ما يدور في خلدها الآن : لو سبحت في البحر هل تموت ذكرى حبيبيها ؟
هناك على شاطئ البحر وقفت سارة تناجي البحر بلوعة المنهزم ، الذي يخوض معركته رغم الجرح النافذ أميل إلى موجاتك في الليل وإلى هدوء دقاتك يا بحر ، هل رأيت حبيبي الذي خان قلبي و حبي وباع قلبي بثمن بخس ، لو رأيته أخبره أن قلبي مات من بعده ، ولُعن حبه مات ودفن سره في غياب من حديد ونار ، وذكرياته أصبحت حطاما على مرسى قلبي المنفطر .